أسباب قيام الإمامة الأباضية الأولى:
لم يكن قيام الإمامة الأباضية في عمان وليد صدفة ـ حيث توفرت لها من الأسباب المثالية التي ساعدت على قيامها ونجاحها في البيئة العمانية .
ويمكننا تقسيم الأسباب التي أدت لولادة الإمامة في عمان إلى قسمين:
أسباب داخلية , ويندرج تحتها:
1- الإستقرار السياسي: حيث ولى عمر بن عبدالعزيز الخليفة الأموي عمر بن عبدالله الأنصاري على عمان ، وثم تخلى عن هذه المهمة لزياد بن المهلب الذي تولى حكم لعمان حتى قيام الدولة العباسية في العراق ، ولم يتعرض زياد للدعوة الأباضية لعلمه بأن لا طاقة له على محاربة القبائل الأزدية التي احتضنت المذهب الأباضي ، وخوفه من أن يفقد ولايته ويصطدم بأهله من قبائل اليمن الأباضية .
ولكن مع ظهور الدولة العباسية اعتزل المهلب ونصب أبو العباس جناح بن عبادة والياً على عمان ..والذي لم يظهر أي مقاومة للمذهب ومن ثم خلفه ابنه محمد بن جناح بن عبادة الذي مال للأباضية وداهنهم حتى تمكنوا من إقامة الأملمة للجلندى بن مسعود.
2- وجود العلماء: حيث تميزت تلك الحقبة بوجود كم من العلماء الأفاضل الذين ينتمون إلى المذهب الأباضي وهم حملة العلم الأربعة: ( وقيل أحياناُ الخمسة أو الستة ) هلال بن عطية ، خلف بن زياد البحراني وشبيب بن عطية وموسى بن أبي جابر الأزكائي وبشير بن المنذر وغيرهم كالربيع في العراق والعالم عبدالله بن القاسم
الذين رأوا أن قيام أمامة أباضية في عمان حلم يمكن تحقيقه
3- قوة أهل المذهب: حيث كان المذهب الأباضي هو المذهب الأكبر من حيث عدد اتباعه وكان من الطبيعي أن تلاقي الإمامة مساندة قوية من أتباعه...وخاصة بأن لهم أتباع في اليمن.
أسباب خارجية ومتمثلة في:
1- البعد الجغرافي عن الحكومة المركزية:حيث كانت الدولة الأموية مشغولة بمحاربة القوى المعارضة العباسية التي أنهكت قواها ، ولكن المعارضة العباسية انتصرت وقضت على الدولة الاموية وحلت محلها . مما جعل عمان في مأمن من وصول الصراع إليها ..ومن الجدير للذكر أن هذه الظروف لم تسمح للقادة العباسيين من التفكير في عمان لأن هدفهم الأساسي في تلك الفترة هو توطيد أركان الدولة الجديدة ومن ثم التفكير على إخضاع الأقاليم المجاورة لسيادة الدولة العباسية.
2- ومن الأسباب أيضاً : تشجيع أهل الدعوة في البصرة لقيام الإمامة الأباضية في عمان أو ما يسمى بإمامة الكتمان.
كل هذه الأسباب سواء أكانت داخلية أم خارجية ساعدت على قيام الإمامة الأولى ، ومبايعة الجلندى بن مسعود على الإمامة .
مؤهلات الإمام الجلندى بن مسعود:
هو الجلندى بن مسعود بن جيفر بن جلندى أحد بني الجلندى بن المستكبر بن مسعود بن الحرار بن عبد عز بن معولة بن شمس ملوك عمان بعد مالك بن الفهم . حيث قال المؤرح نور الدين السالمي : ( وقد غلط من نسبه إلى غير ذلك).
وبسبب نسبه الطيب الذكر لدى العمانيين ، حيث انه من سلالة قبيلة الأزد الذي ينسب إليه عديد من أحياء العرب على حد قول المؤرخين ( وأعلم أن الأزد من أعظم الأحياء وأكثرها بطوناً وأمدها فروعاً) رجحت كفة أمامته عن غيره.وخاصة لما عرف عن الأزد من الشجاعة والإقدام عبر تاريخها و موقفها التاريخي من دعوة رسول الله ، حيث انهم دخول الإسلام طوعاً ومن دون قتال لما تبين لهم صدق الدعوة الإسلامية ، وحسن معاملتهم لعمال الرسول في عمان.
أيضاً كان لسلامة الإمامة خَلقياً دور، حيث انه كان صحيح السمع والبصر والبدن وهذه إحدى الشروط التي تتطلبها شروط الإمام في المذهب الأباضي.
وما توافر فيه من صفات خُلقية عظيمة حيث اتصف بالشجاعة والعلم والإقدام والمعروف والعدل والإحسان والصدق والاقتصاد والبصيرة الفذة والورع والزهد والعبادة
حتى قيل فيه التالي:
( لا نعلم من أئمة المسلمين بعمان أفضل من سعيد بن عبدالله إلا أن يكون الجلندى بن مسعود )
وقد شارك الإمام في بيعة عبدالله بن يحيى ( طالب الحق ) في اليمن ولكن هذه إمامة سقطت بعد عام من قيامها بسبب عجلة قوادها في التوسع السريع .
ومن الجدير بالذكر أن المؤهلات العلمية للجلندى بن مسعود لها دور لا يخفى على أحد ، حيث انه عالم له مكانته بين العلماء وله صوته المسموع .